فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ ابن عباس: {زين} على البناء للفاعل على أن الذي زين لهم ذلك هو مكرهم.
وقرأ من عداه بالبناه للمفعول، والمزين هو الله سبحانه، أو الشيطان ويجوز أن يسمى المكر كفرًا، لأن مكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم كان كفرًا.
وأما معناه الحقيقي فهو الكيد، أو التمويه بالأباطيل: {وَصُدُّواْ عَنِ السبيل} قرأ حمزة والكسائي وعاصم: {صدّوا} على البناء للمفعول أي: صدهم الله، أو صدهم الشيطان.
وقرأ الباقون على البناء للفاعل أي: صدّوا غيرهم، واختار هذه القراءة أبو حاتم.
وقرأ يحيى بن وثاب بكسر الصاد: {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} أي: يجعله ضالًا وتقتضي مشيئته إضلاله، فما له من هادٍ يهديه إلى الخير.
قرأ الجمهور: {هاد} من دون إثبات الياء على اللغة الكثيرة الفصيحة.
وقرئ بإثباتها على اللغة القليلة، ثم بين سبحانه ما يستحقونه، فقال: {لَّهُمْ عَذَابٌ في الحياة الدنيا} بما يصابون به من القتل والأسر وغير ذلك: {وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَقُّ} عليهم من عذاب الحياة الدنيا: {وَمَا لَهُم مّنَ الله مِن وَاقٍ} يقيهم عذابه، ولا عاصم يعصمهم منه.
ثم لما ذكر سبحانه مما يستحقه الكفار من العذاب في الأولى والأخرى، ذكر ما أعدّه للمؤمنين، فقال: {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} أي: صفقتها العجيبة الشأن التي هي في الغرابة كالمثل، قال ابن قتيبة: المثل الشبه في أصل اللغة، ثم قد يصير بمعنى صورة الشيء وصفته، يقال: مثلت لك كذا أي: صوّرته ووصفته، فأراد هنا بمثل الجنة وصورتها وصفتها، ثم ذكرها، فقال: {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} وهو كالتفسير للمثل.
قال سيبويه: وتقديره فيما قصصنا عليك مثل الجنة.
وقال الخليل وغيره: إن: {مثل الجنة} مبتدأ والخبر: {تجري}.
وقال الزجاج: إنه تمثيل للغائب بالشاهد، ومعناه مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار، وقيل: إن فائدة الخبر ترجع إلى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ} أي: لا ينقطع، ومثله قوله سبحانه: {لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 33] وقال الفراء: المثل مقحم للتأكيد، والمعنى: الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار، والعرب تفعل ذلك كثيرًا: {وِظِلُّهَا} أي: كذلك دائم لا يتقلص ولا تنسخه الشمس، والإشارة بقوله: {تِلْكَ} إلى الجنة الموصوفة بالصفات المتقدّمة، وهو مبتدأ خبره: {عقبى الذين اتقوا} أي: عاقبة الذين اتقوا المعاصي، ومنتهى أمرهم: {وَّعُقْبَى الكافرين النار} ليس لهم عاقبة ولا منتهى إلاّ ذلك.
وقد أخرج الطبراني، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن كان كما تقول فأرنا أشياخنا الأول من الموتى نكلمهم، وافسح لنا هذه الجبال جبال مكة التي قد ضمتنا، فنزلت: {وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا سُيّرَتْ بِهِ الجبال} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عطية العوفي قال: قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح، أو أحييت لنا الموتى كما كان يحيي عيسى الموتى لقومه، فأنزل الله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا سُيّرَتْ بِهِ الجبال} الآية إلى قوله: {أفلم ييأس الذين ءامنوا} قال: أفلم يتبين الذين آمنوا، قالوا: هل تروي هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: عن أبي سعيد الخدريّ: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه أيضًا ابن أبي حاتم قال: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا منجاب بن الحرث، أخبرنا بشر بن عمارة، حدّثنا عمر بن حسان، عن عطية العوفي فذكره.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس نحوه مختصرًا.
وأخرج أبو يعلى، وأبو نعيم في الدلائل، وابن مردويه عن الزبير بن العوام في ذكر سبب نزول الآية نحو ما تقدّم مطوّلًا.
وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {بَل للَّهِ الأمر جَمِيعًا} لا يصنع من ذلك إلاّ ما يشاء ولم يكن ليفعل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {أفلم ييأس} يقول: يعلم.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ من طريق أخرى عنه نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن أبي العالية: {وَلَوْ أَنَّ} قال: قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا ولو شاء الله لهدى الناس جميعًا.
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ} قال: السرايا.
وأخرج الطيالسي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عنه نحوه، وزاد: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مّن دَارِهِمْ} قال: أنت يا محمد حتى يأتي وعد الله.
قال: فتح مكة.
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد نحوه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {قَارِعَةٌ} قال: نكبة.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه من طريق العوفي عنه قارعة قال: عذاب من السماء،: {أو تحلّ قريبًا من دارهم}: يعني نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وقتاله آباءهم.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عنه أيضًا في قوله: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} قال: يعني بذلك نفسه.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عطاء في الآية قال: الله تعالى قائم بالقسط والعدل على كل نفس.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {أَم بظاهر مّنَ القول} قال: الظاهر من القول هو الباطل.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله: {مَّثَلُ الجنة} قال: نعت الجنة، ليس للجنة مثل.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن إبراهيم التيمي في قوله: {أُكُلُهَا دَائِمٌ} قال: لذَّاتها دائمة في أفوائهم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} [الرعد: 37]، وفي سورة طه: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [طه: 113]، والمراد بالمنزل في الموضعين واحد وهو القرآن ثم اختلف العبارة عنه في السورتين، للسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟
والجواب، والله أعلم: أن سورة الرعد لم يتقدم فيها شيء من القصص الإخبارية وإنما المتقدم فيها تفاصيل أحكام مرجعها بجملتها إلى اختلاف أحوال المكلفين جريًا على ما سبق من قضائه فيهم، وتفصيل أحوالهم بحسب ما قدره سبجانه في أزله وما حكم به عليهم كقوله سبحانه: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: 19]، ثم بين تعالى حكم كل من الفريقين بعد وصفهم، ثم أعقب بمآل الفريقين فقال فيمن هداه فعلم: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [الرعد: 23] إلى قوله: {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 24]، وأتبع بحال الآخرين الموصوفين بنقض عهده سبحانه، وأخبر بأن لهم اللعنة ولهم سوء الدار، وبين تعالى حكمه في بسط الرزق لمن يشاء وقبضه عمن يشاء، فقال تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد: 26]، وأعلم الله تعالى أنه يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب، ثم وصفهم بإيمانهم واطمئنان قلوبهم بذكره في قوله تعالى: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد: 29]، ودارت الآي بعد على أن كل جار في خلقه فبتقديره، وتناسب ذلك إلى الآية، وكل ما تقدم فهو حكمه السابق في خلقه، فأعقب هذا بقوله: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} [الرعد: 37]، قال الزمخشري: حكمة عربية أي مترجمة بلسان العرب.
ولما تقدم آية سورة طه قصص موسى، عليه السلام، وما جرى من فتنة قومه بعده بفعل السامري وما كان من قول هارون، عليه السلام، وتذكيره إياهم، وقول بني إسرائيل {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91] إلى قوله: {ذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا} [طه: 99]، والمراد به القرآن، ثم أتبع هذا بما يلائمه إلى قوله: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [طه: 113] أي قصصًا مقروءًا بلسان العرب مذكرًا من وفق لاعتباره والاتعاظ به: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113]، فناسب كل من العبارتين موضعه أتم مناسبة، ولم يكن العكس ليناسب، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)}
المَثَلُ أي الصفة، فصفة الجنة التي وعد المتقون هي أنها جنة تجري من تحتها الأنهار، وأُكُلُها دائم وظلها دائم، أي أن اللذاتِ فيها متصلةٌ. وإنما لهم جنات معجلة ومؤجلة، فالمؤجَّلَةُ ما ذكره الله- سبحانه- في نص القرآن، والمعجلة جنة الوقت.. والدرجات- من حيث البسط- فيها متصلة، ونفحاتُ الأُنْسِ لأربابها لا مقطوعة ولا ممنوعة.
قوله جلّ ذكره: {وَالَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ}.
يريد بهم مؤمني أهل الكتاب الذين كانوا يفرحون بما ينزل من القرآن لصدق يقينهم.
قوله جلّ ذكره: {وَمِنَ الأَحَزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ}.
أي الأحزاب الذين قالوا كان محمد يدعو إلى إله واحد، فالآن هو ذا يدعو إلى إلهين لمَّا نزل: {قَلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادعُوا الرَّحَمْنَ} [الإسراء: 110].
قوله جلّ ذكره: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلاَ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَئَابِ}.
قل يا محمد: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ}. والعبوديةُ المبادرة إلى ما أُمِرْتُ به، والمحاذرة مما زجُرْتُ عنه، ثم التبرِّي عن الحَوْل والمُنَة، والعتراف بالطوْل والمِنَّة.
وأصل العبودية القيام بالوظائف، ثم الاستقامة عند رَوْح اللطائف.
{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)} أي حُكْمًا ببيان العرب؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى أرسل الرسلَ في كلِّ وقتٍ كُلًا بلسان قومه ليهتدوا إليه.
ويقال مِنْ صفات العرب الشجاعة والسخاء ومراعاة الذِّمام وهذه الأشياء مندوبٌ إليها في الشريعة.
{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُم}: أي ولئن وافقتهم، ولم تعتصم بالله، ووَقَعَتْ على قلبك حشمةٌ من غير الله- فَمَا لَكَ من واقٍ من الله. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)}
قوله تعالى: {مَّثَلُ الجنة}: مبتدأ، وخبرُه محذوفٌ تقديره: فيما قَصَصْنا، أو فيما يُتْلَى عليكم مَثَلُ الجنَّة، وعلى هذا فقولُه: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} تفسيرٌ لذلك المَثَل. وقال أبو البقاء: فعلى هذا: {تَجري} حالٌ من العائدِ المحذوف في: {وُعِد}، أي: وُعِدَها مُقَدَّرًا جَرَيَانُ أنهارها. ونَقَل عن الفراء أنه جعل الخبر قوله: {تجري}. قال: وهذا خطأٌ عند البصريين. قال: لأنَّ المَثَلَ لا تَجْري مِنْ تَحتِه الأنهارُ، وإنما هو من صفاتِ المضافِ إليه، وشُبْهَتُه: انَّ المَثَل هنا بمعنى الصفة فهو كقولِه: صِفَةُ زيدٍ أنه طويلٌ، ويجوز أن يكونَ: {تجري} مستانَفًا.
قلت: وهذا الذي ذكره أبو البقاء نَقَل نحوَه الزمخشريُّ: ونَقَل غيرُه عن الفراء في الآية تاويلين آخرين، أحدُهما: على حذف لفظةِ أنَّها والأصلُ: صفةُ الجنَّة أنها تجري، وهذا منه تفسيرُ معنىً لا إعرابٍ، وكيف يَحْذِفُ أنها من غير دليلٍ. والثاني: أنَّ لفظةَ: {مثل} زائدةٌ، والأصل: الجنة تجري مِنْ تحتِها الأنهار، وزيادةُ مَثَل كثيرةٌ في لسانِهم. ومنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ} [البقرة: 137] وقد تقدَّم.
وقال الزمخشري: وقال غيرُه:-أي سيبويه- الخبر: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} كما تقول: صفةُ زيدٍ أسمرُ. قال الشيخ: وهذا أيضًا لا يَصِحُّ أن يكونَ: {تَجْري} خبرًا عن الصفةِ، ولا أسمر خبرًا عن الصفة، وإنما يُتَأَوَّل: {تجري} على إسقاطِ أنْ ورفعِ الفعل، والتقدير: أَنْ تَجْري، أي: جَرَيانُها.
وقال الزجَّاج: مَثَل الجنَّة جَنَّةٌ تجري، على حَذْفِ الموصوفِ تمثيلًا لِما غاب عنَّا بما نشاهده. ورَدَّ عليه أبو عليٍّ قال: لا يَصِحُّ ما قال الزجاج، لا على معنى الصفة، ولا على معنى الشَّبَه؛ لأنَّ الجنَّةَ التي قَدَّرها جثةٌ ولا تكونُ الصفة، ولأنَّ الشَّبه عبارةٌ عن المماثلةِ التي بين المتماثلين وهو حَدَثٌ، والجنَّةُ جثَّةٌ فلا تكون المماثلةُ، والجمهورُ على أن المَثَلَ هنا بمعنى الصفة فليس هنا ضَرْبُ مَثَلٍ، فهو كقولِه تعالى: {وَلِلَّهِ المثل الأعلى} [النحل: 60] وأنكر أبو علي أَنْ تكون بمعنى الصفة، وقال: معناه الشبه.
وقرأ عليٌّ وابن مسعود: {أمثال الجنة}، أي: صفاتها.
و: {أُكُلُهَا دَائِمٌ} كقوله: {تَجْرِي} في الاستئناف التفسيري أو الخبرية أو الحالية. وقد تقدَّم خلافُ القرَّاءِ فيه في البقرة.
{وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ (36)}
قوله تعالى: {ولا أُشْرِكَ}: قرأ نافع في روايةٍ عنه برفع: {ولا أُشْرِكُ} وهي تحتمل القطع، أي: وأنا لا أُشْرِك، وقيل: هي حالٌ. وفيه نظرٌ؛ لأنَّ المنفيَّ ب لا كالمُثْبِتِ في عدمِ مباشرة واوِ الحال له.
{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)}
و{حُكْمًا} حال من مفعولِ: {أنزلناه}. والكاف في: {كذلك} نصب، أي: وكما يَسَّرنا هؤلاء للفرحِ، وهؤلاء لإِنكار البعضِ كذلك اَنْزَلْناه حُكْمًا. اهـ.